( ثوريات)
بقلمي / عمر محمد إسماعيل النهمي
إلى ثائر
اغرس جذورك في التراب بعزم قادر
وارفع جبينك للسماء فأنت ثائر
اهتف فما أشهى الهتافات التي
رشرشتها من فوقنا مثل السكاكر
اهتف لنكسر حاجز الصمت المشيد حولنا
اهتف لنسلك درب من ساروا وثاروا قبلنا
اهتف فإن الصمت ملعونٌ ومطعونٌ ومنبوذٌ
ومكروهٌ ومشبوهٌ وعاهر
اهتف فإن الخوف أضعفنا وأتلفنا
فغلفنا تخلفنا
وأصبحنا دجاجات ٍ
وقد كنا نسوراً لا نهاب ولا نحاذر
اهتف ليسقط سقف من شربوا دمك
اهتف ليسقط عرش من لجموا فمك
اهتف لتطرب سمعنا
واهتف لتمسح دمعنا
واهتف لتشعل شمعنا
اهتف فأنت اليوم عصفور ٌوشاعر
اهتف إذا جف المداد من المحابر
واهتف إذا عاث الطغاةُ..بدون زاجر
اهتف فإن الشمس مطلعها الحناجر
نحن اختبأنا في البيوت
وقد رفضت العيش منكسرا وصاغر
نحن تعفنا وأدمنا روائحنا الكريهة كالمقابر
وبقيت مثل المسك فواحا وعاطر
نحن اعتنقنا الخوف منهاجا لنا
ورأيت أن الخوف من أدهى الكبائر
قد كُممت أفواهنا
وأبيت إلا أن تجاهر
قد قُيدت أقدامنا
وسموت كالسرب المهاجر
الطقس فينا قاحلٌ
والطقس في عينيك ماطر
أحلامنا صارت خراباً
وبقيت حلماً في مدى الأيام عامر
المجد لك
فاليوم لا تعلوك قوة
أنت البشارة والنبوة
أنت الكرامة والمروة
أنت الولادة للحياة
وكل قلبٍ دون قلبك أنت ..عاقر
أنت المحبة إن تحجرت المشاعر
أنت النقاوة إن تلطخت الضمائر
هذا زمان الرجسِ
فأبقى مثلما ولدتك هذه الأرض إنسانا وطاهر
هذا زمان الجهل
فاكتب اسمك الشفاف أعظم دولة بين الدفاتر
هذا زمان القبح
ارسم وجهك الوضاح
أجمل لوحة نقلت لنا أرقى المناظر
لله درك من فتى
من أين جئت؟
وكيف جئت؟
أمن رحم الشموس طلعت فجراً مشرقاً
يمتد ضوئك ما له بدئ وآخر؟
أم من عيون بلقيس أتيت
تزف للدنيا البشائر
لله درك من فتى
أصبحت فينا آيةً
من أين جئت؟ وكيف جئت؟
كيف انتزعت بلحظة خوف الشعوب؟
وكيف أنعشت القلوب؟
وكيف أيقظت المقابر؟
لله درك من فتى
أخرست بالهتاف الحر
ثرثرة البنادق والذخائر
لله درك من فتى
أعطتك أرضك درسها
فكنت تلميذاً مثابر
لم يبقى للتاريخ إلا أنت
هم غابوا
وأنت بقيت في الساحات حاضر
فروا
وأنت بقيت مغروساً بأرضك لم تغادر
فأجعل بنادقهم ورودا
واجعل مشانقهم ضفائر
بدل دموعك بالأغاني
بدل قيودك بالأساور
هم كذبوك
وقد أتيت تزف للدنيا البشائر
هم حاربوك
وقد حملت لهم زهوراً لا خناجر
هم حاصروك
فكنت أدهى من يحاصر
هم أوصدوا الأبواب
لكنّ في قلب الفتى اليمني آلاف المعابر
هم حاولوا أن يشتروك
ضنوا بأنك تشترى
وتبيع روحك سلعةً لنظام تاجر
ضنوا بأنك مثلهم
سحقاً لهم
جهلوا بأن تراب أرضك لا يقايض بالجواهر
هم حاولوا أن يكسروك
فأبيت أن تحني جبينك للمذلة والأوامر
هم أنكروك
فلمعت مثل النجم وضاحاً وظاهر
هم حاولوا أن يسكتوك
أن يشنقوا الأنغام في شفتيك
أن يسرقوا الألحان من وتر الحناجر
فأبيت إلا أن تكون كما ولدت مغرداً حراً كطائر
هم همشوك كما الغريب بلا هوية
طمسوا ملامحك النقية
هم صادروا منك القضية
هم أجبروك بأن تسير على ترابك مثل عابر
هم حرضوا الأصحاب ضدك والعشائر
هم خونوك واتهموك بالعمالة
سخروا الأقلام والإعلام ضدك والمنابر
لكنهم لما رأوا فجر النبوة في جبينك ساطعاً
استكبروا..
عادوا وقالوا أنت دجال وساحر
مكروا..وكم حاكوا الدوائر
مكروا..وربُك خيرُ ماكر
هم حرضوك على أخيك
فأحذر بأن تصغي لهم
ما كنت يوما مثلهم..
تحيى على سفك الدماء
تعيش في ظل المجازر
لما سقطت تكالبوا مثل الوحوش لينهشوك
تسابقوا وتسارعوا كي يزرعوا
في قلبك الصافي المخالب والأظافر
لكن لحمك كان مراً..
وضلوعك السمراء أقوى من رصاصات العساكر
هم ألبسوك يا صديق أثواب الفضيحة
هم حاولوا أن يلعقوا دمك المقدس
كالخفافيش القبيحة
هم حاولوا أن يسقطوك اليوم
جرحاً في الميادين الجريحة
هم حاولوا
وحاولوا
لكنهم لما رأوك مرابطاً
سقطوا على قدميك مثل أعقاب السجائر
سقط القناع عن الوجوه الشائهات
الحق عاد
بان البياض من السواد
زال الرماد عن العيون..عن المحاجر
أوولست تلمحهم أمامك مثل أوراق الخريف
فأنهض وعف دفء الوسائد والسرائر
انهض فلست اليوم مأمورا ضعيف
انهض وخذ بيد المشرد في الرصيف
انهض وكن أنت الضماد على النزيف
كن أنت كوب الماء
كن أنت الرغيف
أنهض وكن أنت الشعاع
يطل من خلف النوافذ والستائر
كن أنت خارطة الوصول
إذا رأيت الشعب في الطرقات
منثوراً ومفقوداً وحائر
كن أنت أشرعة النجاة
إذا رأيت البحر يبتلع الشواطئ والموانئ
والزوارق والبواخر
انهض فإن العمر يفلت من يديك
..يمضي أمامك كالمسافر
لا وقت للتفكير في أمر الصغائر
فانهض لتلحق ركب من سبقوك
وامضي إلى العلياء عملاقا مكابر
يحميك ربك يا فتى..
فامضي ... وربك خير ناصر
امضي على درب الشهيد ولا تحاور
امضي وان حفوا طريقك يا ابن ارضي بالمخاطر
فالحق أنت وكل من عاداك كافر
والنصر أنت وكل من يأبى الرهان عليك خاسر
