السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأصل أن تكون الحياة الزوجية مبنية على المودة والرحمة والحب لا على النشوز والشقاق والحرب بين الزوجين فهما مسئولان عن استمرار ميثاق الزوجية الغليظ بينهما لأنهما شريكان متشاطران لكل كفله الذي تتعلق به تبعيته حسبما اوجب الله عليه , وحسب فطرته التي فطره الله عليها . ووسع نفسه وطاقته
وقد عرفنا مفاتيح قلب الزوج والصفات التي على الزوجة أن تتحلى بها والوسائل التي بها تتمكن الزوجة من امتلاك قلب زوجها.
وهذه المفاتيح والصفات والوسائل يحتاج إليها الرجل كذلك مع يسير من التعديل الطفيف لامتلاك قلب زوجته وحبها له وثقتها به حيث يقول تعالى:
((ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ))
ولهذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يتزين لزوجته ويقول : " أحب أن أتزين لزوجتي كما أحب منها أن تتزًّين لي" وذلك لفهمه العميق لرسالة الإسلام العظيمة القائمة على الحق والعدل المبنية على أساس : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ))
وقد خلق الله الرجال بفطرة تؤهلهم لحمل أعباء قوامة الأسرة في الداخل والسعي والشقاء لكسب قوتها من الخارج . وأبان أن لهم درجة على النساء ولكل تشريف وتكليف يتناسب مع مكانته ومهمته.
وقد وصف الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام الرجال بقوله : (( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآيا امرأة فرعون ...)) . رواه مسلم
ولهذه الميزة التي تفضل بها الرجل على المرأة ينبغي عليه أن يتجافى عن النقائص والصفات التي تؤدي إلى إيجاد النشوز والشقاق والنزاع ولابد من معرفة هذه الصفات كي يتم تجنبها والعمل بأضدادها ... وهذه الصفات القاتلة المدمرة الهدامة هي :
الصفة الأولى:
سوء الخلق قولا وعملا , وقد روى الترمذي بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلام قوله : (( ليس المؤمن بالطعّان ولا اللّعان ولا الفاحش ولا البذيء ))...
وتتمثل دركات سوء الخلق في أمور منها الغلظة والشّدة في غير موضعها...واستقبال الرجل زوجته وأولاده عبوسا مستدبرا إياهم... مع نكد وتضجر وشكوى...وتحرٍ متواصل عن النقائص والمشاكل ... يرافق ذلك كله قاموسٌ من شتى أنواع السباب والشتائم التي قد تصل إلى فحش الكلام والتهديد بالطلاق أو التلفظ به بمناسبة وغير مناسبة, حتى يمسي لدى بعضهم وكأنه مفردة من مفردات الشتائم التي يصبها على زوجته أو يهددها به.
وقد يصل سوء الخلق إلى استعمال وسيلة الضرب المبرح المؤذي الشائن لأتفه الأسباب ودون مبرر شرعي يستدعي ذلك , وقد يشرك الأولاد بنصيب من الشتائم وموجة من الضرب باليد أو بأداة من النوع الذي لو ضربت بها اجلد الحيوانات لنفرت من صاحبها وانقلبت عليها رفساً وإيذاءً.
الصفة الثانية :
وهي صفة مركبة من مجموعة من الصفات لها جذور نفسية عميقة , وهي صفة الاستبداد والأنانية وفرض السيطرة بالإكراه على كل من حوله في بيته من زوج وولد ورحم وخدم , والتصرف بكل أمر مهما كان تافها وثانويا , متدخلا بكل صغيرة وكبيرة ليست أصلا من دائرة اختصاصه , مسيئا استعمال حقه في القوامة كمّاً كيفاً , أو بسبب غرور وكبر وغطرسة يجعله متفرداً في إدارة أسرته بعيداً عن مبدأ الشورى الإسلامي (( وأمرهم شورى بينهم)) مستصغراً شأن كل من حوله وعلى رأسهم زوجته وشريكة عمره , وقد رأينا في كتب السيرة كيف استشار الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام زوجته السيدة أم سلمى رضي الله عنها يوم صلح الحديبية في أمر خارج حتى عن أمور أسرته يتعلق بشئون المسلمين وانضباطهم وطاعتهم لنبيهم, وقد يكون سبب هذه الصفة شعور بنقص مّا في ناحية أو أكثر ... أو اضطهاد ما كان قد وقع عليه في طفولته ونشأته, أو انه واقع عليه في دائرة عمله وميدان رزقه, مما يجعله يعوض ذلك بسلوك مغاير داخل محيط أسرته.
وكثيرا مايرافق هذه الصفة صفة العناد والمكابرة حتى لو شعر انه مخطئ وزوجته على صواب فالمهم لديه تنفيذ مايرى ولو كان فيه ضرر واقع أو محتمل إثباتا لذاته وتنفيذا لسيطرته واستمراراً لعناده.
الصفة الثالثة:
وهي على النقيض من سابقتها, وتتمثل بالرجل المهمل لنفسه أو ماله أو شئون بيته ومشاكله وولده...وزوج من هذا النوع يعيش على هامش الحياة لايعرف مصلحته الخاصة به أو بأسرته, ولا يهتم بأمر من أمورها وكأنه غريب عنها. وتتحمل الزوجة هنا أعباء مسئولية الأسرة كاملة.. وتتخلخل تركيبة الأسرة إذ أن أحد أركانها الأساسية قد أصبح شبة معطل مما يورث مشاكل بين الزوجين وأخرى مع الأولاد وثالثة مع الناس ... كل ذلك بسبب فقدان الرعاية التي كلف بمسئوليتها تجاه نفسه وزوجه وولده وكل ماله علاقة به ويقع ضمن دائرة أمانته.
الصفة الرابعة:
البخل والشح والتقتير في النفقة على زوجه وعياله ؟ والنفقة حق للزوجة عند زوجها وهي احد مسوغات القوامة (( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) (( النساء 34))
وان للتقتير بالنفقة أثار سلبية ضارة... إذ قد تدفع الزوجة إلى الكذب على زوجها لتدبر أمر معيشتها وقد تدفعها إلى خيانة الأمانة , أمانة ماله وولده بطريقه جائرة لذلك نجد الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم قد أدرك مرارة ذلك على المرأة وأولادها , فقال لزوجه أبي سفيان لما شكت إليه شح زوجها أن تأخذ من ماله مايكفيها وولدها بالمعروف.
وتزيد شقة الخلاف بين الزوجين أذا رافق هذا الشح داخل بيته نفقات إسراف قد يصل إلى درجة التبذير لغير أهل بيته من ضيفه وصحبه وأصدقائه والقريب والبعيد من أرحامه... ولا يُفهم من هذا عدم إكرام الضيف أو الصاحب أو الرحم, فهذه أمور مطلوبة ولكنها تأتي من مراتب دون مرتبة النفقة الواجبة على الزوج والأولاد والتوسعة عليهم بالمعروف. ويكفي الرجل تكريما أن جعل الله إنفاقه على زوجه وولده صدقة حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((من انفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة ))((رواه الطبراني))
الصفة الخامسة:
إن مما يقطع اوصار الود والرحمة بين الزوجين إهمال الزوج لزوجته ... وهي التي جعلها الله قرينة للزوج وشريكة عمر ورفيقة كدح في رحلة الحياة, كأن تكون على هامش حياته... فلا يشعرها باعتبار أو مكانة... ولا يشركها بأمر ... ويتجاهل تماما مشاعرها كإنسانة , ولا يتعدى دورها عنده أداء خدمة أو قضاء شهوة .
ويبخل عليها بالكلمة الطيبة الحلوة التي قد تنسيها تعب يوم بأكمله, واللمسة الحانية التي تمكن أواصر المودة وتنشر ظلال الرحمة وتساعد على تهيئة السكن الأسري السعيد.
ولقد حوت كتب السنّة العديد من هذه المواقف الرفيقة الحانية من قبل الرسول الكريم مع أمهات المؤمنين لاسيما السيدة عائشة رضي الله عنها وما روى عنها من أحاديث عدة عن مؤانسة المصطفى عليه الصلاة والسلام لها, وحسن معاشرته لها ولغيرها من نسائه . ومن هذه المواقف : استفسارها عن مدى حبه لها. وكيف انه طمأنها بأنه كعقدة الحبل, وكيف كانت تسأله دائما عن العقدة , فيجيبها بأنها على حالها . وغير ذلك مما تذخر به كتب السنّة ويضيق الحديث والمجال عن ذكرها.
الصفة السادسة:
وهي صفة تكاد تكون الصق بالنساء من الرجال, وتتمثل في كون الزوج ثرثارا مشّاءً بنميم بين زوجه وأهله وبالعكس او بين زوجاته أن كان له أكثر من زوجة , مما يشعل نار الفتنة بين الطرفين وبين الزوجين وبين كلّ ما له صلة بهذا الأمر ...
وتزداد شروخ الشقاق والنزاع كلما كان الزوج ذا خفَّة وطيش مفاضحاً بأسرار الزوجية , هاتكاً ستر ميثاقها الغليظ لكل من هب ودبّ ... وهذا الأمر بالإضافة إلى نهي الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام عن الوقوع به وفضح أسرار الزوجية فهو يتيح الفرص لتدخل الكبير والصغير والغريب والقريب في شئون حياة زوجته يجب ألا تتعدى أسرارها وخصوصياتها جدران بيتها , وإلا أصبحت الأسرة مرتعا خصيبا لكل من أراد أن يزرع فيها بذور فتنة .. أو يضرب في أركان معول هدم.
وتتفاقم المشاكل الزوجية إذا كان الرجل اذن شر لمن هم خارج بيته من أهل أو صحب لدرجة قد يصبح فيها الزوج بين أيديهم آلة تنفّذ ما القي في سمعها دون تفكير أو تمحيص ... وهذا كله يرجع إلى الضعف في شخصية الزوج عامة وخلقه ودينه خاصة.
الصفة السابعة:
وهي صفة الزوج المتقلّب سريع الاستهواء ... الذي لايعرف له رأي ولا لون ... فهو مذبذب متقلب, لا يفي بعهد أو وعد قطعه على نفسه. وقد يرافق هذه الصفة ويتناسب معها صفة الكذب لتغطية التأرجح في المواقف والتهرب من الوفاء بوعد أو عهد . حتى يصبح الكذب لديه صفة ملازمة تضاف إلى سوابقها مما يفقد الزوج ثقة واحترام زوجته وولده ويجعل حياته الزوجية بيتا عائما فوق الرمال لا أساس له ولا قرار.
الصفة الثامنة:
الزوج الخوّان للعشرة الزوجية ... ممن تمتد عيناه إلى النساء الأخريات بالنظر أو بالكلام والاستحسان أو التشهي أو التمني لأن يكون لديه واحدة منهن ... إلى غير ذلك مما يتنافى والرضى بقضاء الله وقدره وطلب آخرته, ويتعارض مع العفة والحسن الخلق, ويحرج مشاعر عشيرته _ زوجته _ حتى العظم ... ويجعلها تعيش في أتون الغيرة والشك والقلق.
الصفة التاسعة:
وهي صفة مناقضة لسابقتها من حيث المبدأ وصاحبها شكاك في كل أمر , يغار دون ريبة ويتهم دون بيِّنة والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : (( إن من الغيرة مايحب الله ومنها ما يبغض الله , وان من الخيلاء مايحب الله ومنها ما يبغض الله , فإما الغيرة الذي يحبها الله فالغيرة في الريبة , وإما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة ))((رواه احمد وأبو داود والنسائي وابن حبان))
وزوج من هذا النوع يشقي نفسه وزوجه وأسرته وقد يصل به الأمر إلى الطلاق دون مبرر شرعي.
الصفة العاشرة:
الزوج الطماع بمال زوجته أو بثروة والدها المنتظرة بعد وفاته والذي يريد أن يضع يده على مالها ويتصرف فيه دون إذنها... مناقضاً بذلك الشرع والرجولة والأمانة, وقد يصل الأمر ببعضهم إلى انه يريد العيش دون عمل كذكر النحل متطفلا على زوجته مستثمرا لمالها دون وجه حق... وتتفاقم مشكلة زوجين من هذا النوع كلما كان احدهما أو كلاهما شحيحاً بخيلاً لا يتنازل عن موقفه اخذاً أو عطاءً , وإذا ما أحضرت الأنفس الشحَّ فعلى الحياة الزوجية السلام!
هذه هي أهم الصفات التي يتصف بها بعض الأزواج بصورة عامة وتكون سببا في تقويض حياتهم الزوجية, ومثل هذه الصفات المنفرة وغيرها إن وجدت في الزوجة يمكن أن تسبب لها الشقاق والطلاق والفراق ولذلك لابد للزوجين من أن يتقوا الله كلٌ في زوجه وفي ولده وأسرته ونفسه ومجتمعه كي تتابع سفينة الأسرة رحلتها إلى بر الأمان وشواطئ السلام وإذا ماحدث الشقاق فأن الإسلام يطلب من ربان السفينة إتباع خطوات علاجية إصلاحية سلمية حتى لا نصل إلى ابغض الحلال وهو الطلاق الذي يعني غرق السفينة الأسرية بكامل ركابها وسكانها.
الطريق الي قلب الزوج