ماذا عساني اكتب هنا وماذا عساك أبقيتي لنا من الحروف لنكتب
تقول العرب: الوعد كالرعد و الإيفاء كالمطر .
فها نحن بعد الرعد نمطر وابلا صيبا .
قالوا أن لكل إنسان بالحياة نقطة ضعف! فإذا ما وقعت عليها أمسكت الإنسان بتلابيبه ,
ونقطة ضعفي بالحياة هي القرية , القرية التي عشت فيها طفولتي وفارقتها قهرا , ولم يعد نصيبي منها إلا زيارة لا تتعدى أيامها عدد أصابعي كل سنتين تقريبا , اسمحوا لي اخوتي ان اتحدث عن ليل القرية وإشراق شمسها الذي لا أروع منه إلا غروبها..... وضعوا في اذهانكم ضعفي الشديد في اللغة والتعبير والاسلوب فما انا إلا تلميذ بين يدي جهابذة علم وتفكير , لعل نعت الأخت حنين لي بأستاذي اكسبني غرورا وجراءة للوقوف أمام مقامكم أعزائي .فمنكم أستميح العذر.
ما اروع قريتنا حين يتلاشى شعاع الشمس ويصفر قرصها من ألم الفراق , تعودت قريتي الصغيرة كل ليلة التزين لاستقبال ليلتها بارتداء ذلك اللباس الباهي , لباس أدناه منسوج بخيوط ليلها و أعلاه منسوجا بخيوط نهارها , أشبه ما تكون بلقطة فلاش عمرها قصير سرعان ما تنقضي , لا سلوة لمفارقها إلا أمل رؤيتها باليوم الثاني..
ولكل صاحب إحساس ورقه مثالك اخي القارئ , له أن يتخيل كم هو بطيء جدا عليه انتظار تغيير الصورة في أي ملف فلاشي مثال توقيع الأفق أدناه , رغم انه لا يتعدى ثلاث ثواني , حياتنا جبلت على السرعة وحب تغيير المشهد ملل من الحاضر واستشراف للمستقبل أي كانت صورته .
كم يعجبني هذا البيت من الشعر
أعلل النفس بالآمال ارقبها=ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
لا أخفيكم أنني كنت ارقب ذلك المشهد في مكان اخترته لشعوري بمناسبته لالتقاط أروع الصور , ليت شعري حينها أن كنت املك واحدة من ثلاث , إما كاميرا أو موهبة رسم أو قدرة على قول أبيات من الشعر لأجسد لكم مشهدا لقريتي حين تكتسي ذاك الفستان الزاهي القشيب وهي واقفة بإجلال , تودع شمس نهارها وتستقبل قمر ليلها , فيحمر وجهها خجلا من ناظريها فتلبس عباءة حشمتها المنسوجة من دمس ليلها الجديد , فتمضي متبخترة واضعة قدميها على ارض من سكنها الصلبة بعفة البداوة وشرفها وكل سجاياها الطيبة تعانق الأنجم الزهر , ما أروعك يا مغيرة النجوم والكواكب والثرياء .
في جو يسوده الصمت فيه النداء همسا والدعاء سرا والصلاة تخافت , جو لا ترى فيه إلا قمر وكواكب ونجوم تلألأ , جو لا مجال فيه لغير كل وضاء , قاهرا لسرا اعياء علماء الدنيا منذ الأزل , انه سر الظلام الذي هو أصل الحياة , فالأصل هو الظلام والضوء كاشف وله قاهر , فلو أغلق احدنا باب ونوافذ منزله نهارا لحل الظلام .
ما علينا من الفلسفة , لاستحالة سلامة من يدخلها نعود لليل قريتنا .
هدوء تام و الكل نيام و لم يبقى إلا الأفق ساهرا يعد الأنجم.
جاءتني حينها فكره ,,, فمددت أسلاك هاتفي , إلى مسافة بعيده عن المنزل, فعمدت إلى موضع قد اعتدت الجلوس فيه صغيرا و أنا دون العاشرة أي أيام طفولتي فجلست فيه وأحضرت جهازي المحمول وأجريت اتصالي فإذا أنا متصل بالعالم , وأصدقائي الذين كانوا متواجدين بتلك اللحظة من الشرق ومن الغرب , يا الهي لا أكاد اصدق ما يحدث , تهت برهة في ذكرياتي مقارنا بين أمسي ويومي , بين صبحي وليلي , ومن ابرز المفارقات أن جلوسي في ذاك المكان في أيام طفولتي هو في نهاري لأني كنت أخاف الخروج في الليل بعيدا عن المنزل ثم إني كنت أيام طفولتي أنام مبكرا وكانت حياتي مقسمة على اثنين فأصبحت الآن مقسمة على ثلاثة صحو وانتظار نوم و نوم , كثيرة أنتي يا متغيرات حياتي, جميلة أنت يا أيام طفولتي وتعيسة أنتي يا أيام حاضري .... وان تجملت بأروع حللك وان كستك خيوط الحرير ورصعتي بالذهب والألماس .
أعود فانظر إلى السماء فأرى النجوم واستزيد بعبق من الماضي ليساعدني على مواصلة الحياة والخروج من
عميق تفكيري كمحاولة لتخفيف وطأة نتيجة المقارنة على قلبي .
اعذروني إخوتي فلست اقدر على المواصلة
لكن لعله يتجدد اللقاء بقكم في ساعة أخرى غير هذه التي أرهقتني كثيرا , سامحك الله ياحنين , أديتي دينا
ليتك لم تؤديه , فما زادني قضاء دينك غير تعب و رهق وان كنت قد انتشيت حين قراءته للوهلة الأولى.
أشكركم جميعا
وفي رعاية الله أترككم
على أمل اللقاء بكم