لندن: سقوط القومية وبزوغ السلفية في العالم العربي
رصدتها منذ مطلع السبعينيات
لندن: سقوط القومية وبزوغ السلفية في العالم العربي
في كل يوم تثبت الوقائع والوثائق المدونة أن العالم الغربي لم يكن في أي وقت من الأوقات في معزل أو غفلة عن المخاض العربي والإسلامي، بل إن وزارة الخارجية البريطانية خصوصا وعلى مدى أكثر من نصف قرن مضى أثبتت في وثائقها التي تفرج عنها بعد السماح بنشر محتوياتها أنها ومن خلال سفاراتها في العالم وليس في الوطن العربي أو الشرق الأوسط فقط، تعي وتدرك وتراقب وتحلل ما يجري.
http://www.almushahidassiyasi.com/Contents.htm
وفي وثائق الخارجية لعام 1972 رصد قد لا يخطر على بال أي من الأجهزة الحكومية العربية بما فيها الدوائر السياسية أو الأمنية (الأمن والمخابرات) لظاهرة بدايات سقوط التيار القومي وظهور بوادر عن الصحوة السلفية التي تلعب دورا مهما الآن في الصراع الدائر بين الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة وبين الحركات الإسلامية المتطرفة التي يقودها تنظيم القاعدة ومعها الجهاد وتيارات أخرى مقتنعة بأن الإدارات الأميركية المتعاقبة مدفوعة بضغوط دينية معادية للدين الحنيف، تسعى الى معاقبة الإسلام والمسلمين ومحو آثار وبقايا العصور الإسلامية في التاريخ وفي الجغرافيا وفرض سيادة يهودية مرتكزة على وصايا حكماء آل صهيون وحكايا وقراءات بعض المفكرين للكتاب المقدس القديم.
والغريب أن ملامح بدايات سقوط المشروع القومي العربي ارتبطت من جهة باختفاء الزعيم المصري جمال عبد الناصر عن الواجهة والحكم والوجود في غياب مفاجئ قيل وما زال يقال عنه الكثير(أسباب الوفاة) وانحسار الكم القليل المتبقي وقتها (بداية عقد السبعينيات) من الوجود الاستعماري البريطاني في الخليج العربي تحديدا والدخول الواسع للقوة الأميركية بكل تفاصيلها وأدواتها على المنطقة والعالم كوريث شرعي للاستعمارات القديمة التي تآكلت بسبب الحرب العالمية الثانية فاضطرت إلى مداواة جراحها وانهياراتها الاقتصادية التي سببتها كلفة الحرب بالتنازل لواشنطن عن الكثير مقابل دورها المرسوم في حسم الحرب والاجهاز على المستشار الالماني الاسبق ادولف هتلر، وايضا مع ظهور دفعة منتخبة ومنتقاة من الزعامات العربية التي بدأ عامل الوقت والظرف المكاني في تلميعها. ومن هؤلاء الرئيس المصري السابق انور السادات، الرئيس العراقي السابق صدام حسين، العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز، الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، أمير الكويت الشيخ جابر الاحمد، الرئيس الجزائري الاسبق هواري بو مدين، الرئيس السوري السابق حافظ الاسد، رئيس دولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
هذه الاسماء التي مهد لها الطريق لتولي الحكم في دولها وأيضا للعب دور مهم في أغلب الاحداث التي عاشتها المنطقة منذ مطلع عقد بدايات سقوط القومية ونهوض التيار الديني، تميزت بنفوذ غير تقليدي في دولها وفي مقدرة كبيرة على تطوير المشروع القومي العربي الذي كان قبل ذلك في أوج درجات ارتفاع مده، وتحويله الى مشاريع قطرية قادت الى حروب ومواجهات بسبب مغامرات البعض وبسبب طبيعة الدور الذي رسم للبعض منهم. وقد ترافق مثل هذا الامر مع بروز اسماء وزعامات دينية لامعة بعضها اختفى وبعضه الاخر ما زال في الواجهة ومن هؤلاء اسامة بن لادن واسلاميون آخرون لا ضرورة لتسميتهم بالاسم لكنهم يلعبون حتى الآن ادوارا مهمة في الصراع العربي الاسرائيلي وفي الاحداث المتصاعدة التي تسميها واشنطن بـ (الحرب ضد الارهاب).
وعلى عكس ما يمكن ان يفهم منه (الوثائق البريطانية التي افرج عنها بعد مرور ثلاثين عاما) من ان سقوط مشروع القومية العربية هو الذي دفع المنطقة الى القومية الاسلامية سدا للفراغ، فان الامر الواضح في ظل المجريات السابقة والحالية ومن خلال حقيقة ان لا العرب ولا المسلمين اختاروا أيا من قادتهم ( لا الحكوميين ولا زعامات الشارع) بقدر ما فرض اغلب هؤلاء عليهم او وصلوا إما على ظهور الدبابات أو تحت فوهات المدافع أو في ظروف مهد لها بشكل جيد وبالاغتيالات او عن طريق بناء تيارات مدعومة بشعارات رنانة وأسس مالية كافية وان كانت غير معلنة لتمكينها من التلاعب بعقول وعواطف الجماهير.
في ادراج الخارجية البريطانية ملف مهم يقرأ ويفسر (على الاقل في الجزء الذي سمح بنشر بعض تقاريره) ويميط اللثام عن مدى وعي البريطانيين بما كان يدور في العالم من جهة وبتعمدهم اغفال الحديث عن دور القوة الجديدة التي تسلمت مقاليد الحكم في العالم من بعدهم في صنع المستجدات والتمهيد لحروب الحضارات وهو الباب الافضل والاكبر لخلق بؤر النزاعات وزيادة مبيعات الاسلحة ووضع اليد على الودائع و عائدات النفط والاستثمار والتواجد في المناطق الساخنة كحام للحمى وليس كمستعمر ومحتل.
ملف الشعور الاسلامي في الشرق الأوسط في 1972 الذي انتقل الى دار الوثائق البريطانية برقم (1641 ـ FC017) يحتوي على الرغم من صغره على تفاصيل رصد مبكر ومدروس بعناية من قبل سفراء بريطانيا او المتخصصين في هذه السفارات في المنطقة العربية (القاهرة،الكويت ، بيروت، عمان ، القدس المحتلة والجزائر). وفي الملف اشارات وتحاليل لمسائل دينية اخرى لها علاقة باوطان وشعوب وديانات سكان المنطقة.
البداية
وفقا لما يمكن ان يفهم من الجزء الذي سمح لمن يهمه الامر بالاطلاع عليه ونشره فان الوثيقة رقم 5 (تاريخها 23/11/1972) موجهة من مسؤول غير واضح الاسم الى شخص يدعى المستر بارسنز مع صورة لكل من بايك وكاي تتحدث صراحة وبالاسم عن الشعور الاسلامي في الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد تشير محتويات البرقية الى قصة التقطت في بيروت عن حادثة وقعت بين الرئيس اللبناني والمفتي الاكبر مفادها ان بعض الدوائر المسيحية تخشى ظهور وعلو نوع من الشعور الاسلامي الغامض المرتبط في العادة بالاخوان المسلمين. وقد ارتبطت هذه القصة مع همس متزايد وبصوت عال عن خلاف بين الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء حول مواقع جلوسهما في الاحتفالات الرسمية. إذ يعتقد صائب سلام بشكل لا يقبل الجدل ان من حقه ان يجلس موازيا للرئيس باعتباره قائداً للمسلمين السنيين تماما كما هو حال الرئيس الذي يعد قائدا للمسيحيين في لبنان. ويشير صاحب الرسالة الى انه: >قد لا يكون هذا بالاهمية الكبيرة، ولكن النظر للامر في ضوء شؤون المفتي، والتطورات الاخيرة في ليبيا، وضجة المسلمين والاقباط في مصر، فالامر يوحي، بشكوك على الاقل، بأن تيارا ما قد بدأ في التدفق<.
ويواصل كاتب الرسالة تدعيم اسباب اعتقاده قائلا: >أشرت بهذا الى الوكيل العام لوزارة الشؤون الخارجية في الاردن، وهو مسيحي. ابدى موافقة سريعة، ولا تخلو من شغف، وقال ان امرا مماثلا يحدث في الاردن ايضا. لم يحدد ما يحمله في ذهنه، وكانت لدينا مواضيع اخرى للحديث، ولكن الامر يعني زيتا اكثر على النار، لذلك اعتقد ان من الافضل ان نبقي العيون مفتوحة خلال الاشهر القادمة<.
ويضيف في نقطة رابعة:>إحدى النظريات التي قيلت لنا في بيروت تؤكد انه منذ الفشل الكلي للقومية العربية، فان الناس يتحولون الآن الى بديل هو القومية الاسلامية، وقد جادلت بأن هذا البديل الاخير قد فشل ايضا، ومنذ فترة بعيدة. لكن الاجابة جاءت بأن طول المدة التي انقضت على ذلك الفشل، جعلت من الممكن اعطاءها محاولة ثانية لأن تأخذ مدى جديدا ربما يعوضها عن الاخفاق السابق<.
وتحمل الوثيقة تعليقا مكتوبا باليد من قبل ( إيه. جي. كريغ) وهو من كبار موظفي ادارة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية البريطانية بالطبع تقول ترجمته التالية: >ظل الملك فيصل، بالطبع، ولفترة مأسورا بفكرة التجمعات الاسلامية.. وزيارته الاخيرة للرئيس امين جاءت لتمر عبر الروابط الاسلامية، ولكن اثر القومية الاسلامية يبدو اقوى في ليبيا<.
وهناك وثيقة أكثر وضوحا في رصدها لهذه الظاهرة تحمل تاريخ الثامن من كانون الاول (ديسمبر) من العام نفسه موجهة كتبها ايه. جي. كريغ من ادارة الشرق الادنى وشمال افريقيا وهي موجهة الى السير آر بيومنت (السفارة البريطانية ـ القاهرة) موضوعها عن الصحوة الاسلامية جاء فيها: >نحن ممتنون لرسالتك بتاريخ الثامن والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) حول مصر في حالة الركود< فقد ساعدتنا كثيرا في فهم الغموض السائد الآن في القاهرة وهي (الرسالة) قيد الطبع الآن.
ويشير كريغ الى اهمية الفقرة 8 من الرسالة الاصلية حيث يقول: >أخذتني نحو المزيد من الاهتمام فقد تطرقت بشكل واضح الى بعث واحياء التطرف الديني والحقيقة ان ذلك يتماشى مع بعض ملاحظاتي الخاصة التي استنتجتها خلال زيارتي الاخيرة للشرق. ولدينا الآن علامات لهذا التطرف الجديد في ليبيا، وبصورة تلفت الملاحظة، مثل الاقتراح الذاهب الى تأسيس كل قوانين الحركة وفقا لمبادئ ونصوص الشريعة الاسلامية كما لفتت نظرنا مشاكل الاقباط والمسلمين في مصر<.
ابتعاث
ويربط كريغ بين ما يجري في ليبيا ومصر وبين لبنان: >الجديد بالنسبة إلي يكمن في ان اجد المسيحيين في بيروت، بل والمسيحيين الاذكياء جدا، يتحدثون عن ابتعاث للشعور الاسلامي. قد لا يكون هناك من جديد في مخاوف المسيحيين اللبنانيين من الاسلام، ولكن هذا الشأن الاخير مجال جديد تماما. فهناك قصتان حيتان تلوكهما الالسن خفية، احداهما حول الواقعة بين الرئيس والمفتي الاكبر والتي تعمد فيها الاخير ان لا يقدم للرئيس التقدير المطلوب، والثانية تتعلق بالاختلاف بين الرئيس وبين رئيس الوزراء، حيث يطالب رئيس الحكومة كرئيس للكتلة الاسلامية بمعاملة متساوية في المناسبات الخاصة اسوة بما يتمتع به الرئيس الذي يعتبر رئيسا للمجموعة المسيحية.
ويضيف: >هناك الكثير من التفاصيل التي قدمت لي حول الاموال الليبية التي تصل للسلطات اللبنانية الاسلامية في محاولة لبناء معسكر اسلامي. وكل ذلك لا بد ان ينظر إليه بجدية لأن هذا الذي يحدث في ليبيا يحدث أيضا ولو على نحو أقل في مصر.
وتفيد رسالة المسؤول بوزارة الخارجية في لندن ان كاتبها، ولا بد انه يتمتع بصفة دبلوماسية بريطانية عليا، قد اثار هذا الامر مع وكيل وزارة الشؤون الخارجية في الاردن: >عندما زرته في عمان لم افاجأ بانه مسيحي لكني فوجئت بقلقه هو الآخر من ظاهرة تنامي المد الاصولي الاسلامي في الشرق الأوسط. والغريب في ذلك ما ورد في صحيفة >الاوبزيرفر< في عددها الصادر في الثالث من كانون الاول (ديسمبر) فقد تحدثت هي الاخرى عن هذا الامر (بسبب ضيق الوقت وكثرة العمل، لم تتح لي الفرصة لقراءة الموضوع بشكل متمعن وكامل) انما يمكن تلخيص الموضوع الذي كتبه جون سانت جور بان المد الاسلامي في الاردن في تعاظم الى جانب اعتقاد كاتب المقال بأن ولي العهد نفسه انسان وهو بالتالي مسلم اصولي.
ويشير كريغ في فقرة جديدة الى ان إحدى النظريات التي قيلت له في بيروت مفادها ان المسلمين قد اتجهوا الآن، وبعد فشل القومية العربية، الى البديل البديهي، اي التضامن الاسلامي. وقد لاحظت انك قد وصفت في الفقرة 8 فكرة لا تختلف كثيرا عن ذلك.: >وبالطبع، فان كل الامر مفتوح للجدل والمعارضة، اذا قلنا، انه واذا كانت القومية العربية قد فشلت بالفعل، فالتضامن الاسلامي قد فشل ايضا منذ زمن بعيد، ولكني افترض ان فشل نظريات القومية الاسلامية قد حدث منذ فترة وربما تكون فرص العودة ثانية بالقوة نفسها غير متاحة او غير مقبولة<.
لكن أتش جي بلفور بول الموظف المعني في السفارة البريطانية في عمان رد باستغراب كبير في التاسع من أيلول (سبتمبر) (الوثيقة رقم 31): في الفقرة السادسة من خطابك الى بيومنت تساءلت ما اذا كانت هناك علامات لتطرف اسلامي في الدول العربية الاخرى. كما انك قد اشرت قبل ذلك الى مقال سانت جور المنشور في >الاوبزيرفر< عدد الخامس من كانون الاول (ديسمبر) الذي اعتقد فيه ان هناك مقدمات تحت التشكيل لمثل تلك العلامات (الصحوة الاسلامية) وانها ذات صلة بولي العهد الامير الحسن بن طلال. لكن خلال محادثتنا مع ولي العهد في التالي في شأن موقفه من ردود افعال الصحافة البريطانية إزاء الشؤون الاردنية وخصوصا عنه وعن موضوع التيار الاسلامي، قال انه قد وجدها مشجعة. وقد سألته عما اذا كان مقال سانت جور قد لفت نظره فقال انه قد سمع به. وعن علاقته بالحركة الدينية قال الامير الحسن ان الاخوان المسلمين قد اعجبوا باللحية التي عاد بها من زيارته الاخيرة لهذه الدول، ولكنه خرج منها بالترجمة الخاطئة.
غير ان الاستنتاج الذي خرج به المسؤول البريطاني في خصوص تصاعد التيار السلفي وتهمش القومية ما يلي: >ولي العهد الاردني وافق على ان، فشل القومية العربية في اجزاء اخرى من العالم العربي، وعلى سبيل المثال مصر، قاد الى امداد العرب بالطموح الروحي واسهم الى حد ما في اعادتهم الى الاسلام، ولكنه (الامير الحسن) لا يعرف اي تحرك من ذلك القبيل في الاردن. وفي الحقيقة، وبقدر ما يتعلق الامر بالاخوان المسلمين، ورغم ان احدهم اصبح وزيرا، فالسلطات الاردنية على اصرار بابقاء نفوذهم في حده الادنى<. وختم بلفور بول رسالته للخارجية قائلا: > أما بخصوص الامير الحسن نفسه، وبالمفاهيم المحلية، فهو في عداد المسلمين الاتقياء، ولكنه بأية حال ليس متطرفا او اصوليا. وانطباعنا يتماشى مع انطباعه، اي اننا لا نرى علامات لصحوة اسلامية اصولية هنا ولا ادري من اين اصطاد سانت جور ذلك الانطباع. واعتقد ان في بقية مقاليه مادة جيدة.
سؤال
لكن كريغ يعود في الفقرة الاخيرة الى مضمون خطابه الموجه الى سفارة بلاده في القارة: > الهدف من هذا الخطاب هو توجيه سؤال فقط، فللقذافي بالتأكيد تأثير في العالم العربي، وقد اشرت انت الى انه أي القذافي يؤثر في اوساط جيل الشباب في مصر. وهناك، كلمة الملك فيصل، وتراها، ومن بين كل الاقوال القديمة، تحمل وزنا ما. وحتى اذا ذهبنا بعيدا الى الجزائر، فهناك علامات لتزايد في الشعور الاسلامي. وقد قلت لنا انك ستكتب حول القضية الدينية لاحقا. لذلك سنكون في غاية الامتنان اذا قامت سفاراتنا الاخرى باحاطتنا ما اذا كان هناك شيء مماثل يدور في بلدانهم<. هذا وارسل كريغ (وفقا للوثيقة) بصور من رسالته الى سفراء بريطانيا في كل من: بيروت، عمان، طرابلس، الجزائر، جدة، تل ابيب، تونس، الرباط، واشنطن. كما بعث بنسخ أخرى الى: بي. اتش رايت ـ ادارة الشرق الأوسط ـ وكذلك نسخة الى الكويت.
غير ان هذا الامر او هذه المخاوف لم تكن واضحة على السطح في كل المنطقة العربية فقد ورد في وثيقة اخرى تحمل اسم (الصحوة الاسلامية) صادرة من ايه. جي. ويلتون السفارة البريطانية ـ الكويت الى جيمس كريغ ـ ادارة الشرق الأدنى وشمال افريقيا في وزارةالخارجية في لندن وهي برقم 8 وتاريخ (02/21/2791) ما يلي: >شكرا على خطابك بتاريخ 11 كانون الاول (ديسمبر)، لمخاوفك ما يبررها، ولكني لا اعتقد ان الاسلام في حالة تحرك في الكويت، لان الكويتيين لم يشعروا بعد بعصا المارشالية التي تحفز الوعي الروحي، ومع ان لدينا فرعا مهما للاخوان المسلمين في الكويت (جمعية الاصلاح الاجتماعي ) التي تحارب من اجل منع الاختلاط في التعليم الجامعي ومنع وتحريم الخمور، لكنهم أضعف من أن يستطيعوا خلق حركة دينية قادرة على التغيير وعلى الامساك بالشارع<.
وفي رد مماثل في المضمون تقريبا بعث جي. ام. سنودغراس القنصل العام في السفارة البريطانية ـ القدس المحتلة بكتاب (وثيقة رقم 9 بتاريخ 20 /211972/) موجه الى: ام. بايك- ادارة الشرق الأدنى وشمال افريقيا ـ وزارة الخارجية ـ لندن عنوانه: >الصحوة الاسلامية< ورد فيه ما يلي :> هذه رسالة للقول فقط بأننا لم نر اشارة لتطرف اسلامي هنا في الضفة الغربية -خطاب بيتر واليس بتاريخ 51 كانون الاول (ديسمبر) الشخص الوحيد الذي تحدث عن احتمال كهذا، خلال عامين، باعتبار ان يكون مرغوبا، هو الشيخ الجعبري، عمدة الخليل، الذي اسس معهدا جديدا للدراسات الاسلامية العليا بالمدينة، ولكن لمدينة الخليل شخصية تقليدية خاصة لا تشاركها فيها بقية مدن الضفة الغربية (خاصة نابلس)، حيث يهتم الناس بالدنيا اكثر من الآخرة.
وفي الثالث والعشرين من كانون الاول (ديسمبر) من العام نفسه رد بي: اتش. رايت وهو مسؤول في السفارة البريطانية في بيروت على طلب ايه. كريغ في شأن متابعة ما اذا كانت هناك بوادر فعلية لموضوع الصحوة الاسلامية قائلا: >يمكن القول ان هناك تحركا نحو اتجاه اصولي بين المسلمين اللبنانيين (خطابك بتاريخ 8 كانون الاول (ديسمبر) الى بيومنت)، ولكن هذا التحرك ليس ملموسا بشكل واضح ومقلق كما لا يشكل عاملا بارزا في السياسات الداخلية<. ويضيف رايت في الرسالة التي تحولت الى وثيقة تحمل الرقم (21): >ولا هي وكما حسبت انت، متميزة بوضوح عن الصحوات الطائفية الناشئة او العادية.. وكما تعرف جيدا، فالدين هنا يلعب دورا اجتماعيا وسياسيا معقدا في الحياة الوطنية بدرجة يصعب معها الفصل بين العواطف فيما هو ديني وما هو علماني، والمرء يحمل دائما في الذهن، وعلى المجمل، ان المسيحيين هم الاغنياء، والمسلمين هم الفقراء.
أما قصة الاحتكاك بين الرئيس والمفتي فان لها بعض الاسس، وان كانت ليست بتلك الاهمية فرئيس الحكومة في لبنان ليس المسلم الاعلى إذ يفوقه في المكانة رئيس مجلس النواب<.
ومع ذلك يذهب رايت في اتجاه ايراد بعض التفاصيل عندما يقول: >يقال ان الاخوان المسلمين يجمعون القوة، وهناك منشطات دينية تتلقى التشجيع الاخلاقي، وربما المالي من القذافي، وليس لذلك الاثر الكبير. عشنا الوعود في مناسبتين او ثلاث بمظاهرات بعد صلاة الجمعة دعما لجعل يوم الجمعة عطلة اسبوعية، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث. سنبقيك على علم بالتطورات، رغم اننا لا نتوقع ان تأخذ هذه الاشارات ابعادا درامية في المستقبل القريب.
هذا وحرص رايت على ارسال صور من رسالته الى كريغ الى عمان وطرابلس والجزائر وجدة وتل ابيب وتونس والرباط والقاهرة وجي سي موبرلي في واشنطن.
لندن ـ >المشاهد السياسي <
