دعونا نفكر بواقعيه بعيدا" عن الانفعال الأنى ، والذى ولاشك أنه سيخبو حالما تنتهى كل هذه الضجه الإعلاميه ،
ولنا فى حادثه الرسوم المسيئه أكبر شاهد على كوننا انفعاليين ، نحتكم للعاطفه أكثر منها للعقل ،
سنتفق بدايه" على ان القرار لم يكن صائبا" البته ، ليس لكونه أستهدافا" للإسلام ،
بل لأن القرار يفقد مصداقيه الغرب وسويسرا تحديدا" بمدى أحترامهم لحقوق الانسان ، وحريه الأديان ، والتعايش السلمى بين الامم،
وبعيدا" عن التنظير والقيم والمثل الإنسانيه، خلونا نضع النقاط على الحروف ، كى تتضح الرؤيه بشكل أكبر،
قرار حظر المأذن من الناحيه العمليه لا يعد أستهدافا" للأسلام ،
فدور المأذنه حاليا" لا يرواح حدود مكانها الروحانى لدى العقليه المسلمه ،
فأختفاء المأذن من أحياء وشوارع سويسرا ، لن يمنع المسلمين هناك من اداء طقوسهم الدينيه ،
ربما كان الغرض من الإستفتاء هو جس نبض لمشاعر المسلمين لمعرفه مدى تأثير القرار عليهم ،وعلى ضوءه يمكن أتخاذ أجراءت أبعد من حظر المأذن ،
وللعلم فى سويسرا أربع مأذن فقط ، وما يقارب من 400 مسجد ،
أربع مأذن من وجهه نظرى لا تمثل تشويها" للمنظر العام للمجتمع السويسرى وخصوصيته الأجتماعيه والثقافيه ،
وهذا ما يوكد على أن القرار ليس إلا مقدمه لقرارات أخرى تتعلق بقضايا حيويه أهمها الخوف المتفاقم من ( أسلمه أوروبا)
ولا شك أن نتائج الأستفتاء كانت طبيعيه بل ومتوقعه حتى من مسلمى سويسرا ،
وهو ما حدى بالمجلس الأسلامى هناك لدعوه المسلمين فى سويسرا إلى الإمتثال للقرار فى حال تم تطبيقه ،
وبالأمس وصف الامير طلال بن عبدالعزيز القرار بالديمقراطى قائلا"
(يجب على الجميع أحترام أراده الشعب السويسرى بعض النظر عما أذا كان القرار قاسيا" بحقنا ،)
القرار فعلا" لم يأتى من فراغ أو أعتباطا"، بل نتيجه شعور طاغى لدى بعض فئات الشعب السويسرى
نابعا" من أحساس بالخوف من فقدان الهويه السويسريه، وإنصهارها ، خصوصا" مع تنامى موجهة الهجرات المتزايده للمسلمين،
وهو ما قد يشكل من وجهه نظرهم توازنا" سكانيا" إن لم يكن خلل" فى بنيه المجتمع السويسرى الديموغرافيه،
والذى يعانى من تدنى معدلات الخصوبه والمواليد ،
وأذكر أنه فى فتره من الفترات طالبت نسوه سويسرا ، الحكومه لإتخاذ تدابير لازمه لإجبار الأزواج على المكوث والمبيت فى منازلهم ليلا"،
خصوصا" مع التدنى الحاد فى معدلات المواليد ، والذى بدوره أوجد خلل فى التركيبه الهرميه للفئات العمريه للشعب السويسرى
،
الأمر الذى جعل الحكومه تتخذ قرارا بقطع التيار الكهربائى قبل حلول منتصف الليل ،
فى أجراء الهدف منه أجبار الرجال على العوده إلى منازلهم باكرا" ، بدلا" من السهر فى البارات والملاهى الليليه،
بعيدا" عن كل ذلك ، بودى أن أسئل الجميع هنا ، ماذا لو قرر مسيحى أن يبنى كنيسه فى الحى الذى تقطنه ، ما هى رده فعلك ،
هل ستتقبل الامر على أنه أمرا" عاديا" يتعلق بحريه الاعتقاد ،
لا يخفى على أحد مدى موجه الكراهيه لكل ما هو غربى والسائده لدى معظم المسلمين ،
كنت فى عدن أيام العيد ، وقريبا" من الحى الذى أسكن فيه
لم يتوقف خطيب الجامع فى خطبتى الجمعه على بث مشاعر الكراهيه تجاه من أسماهم بالكفار والزنادقه والملحدين ،
مختتما" خطبته تلك بابتهاله بأ ( اللهم عليك باليهود والنصارى فانهم لا يعجزونك ،
اللهم أنا نجعلك فى نحورهم ، أجعلهم هم وما يملكون غنيمه للأسلام والمسلمين ،
اللهم شتت شملهم ، فرق جمعهم ، أجعل الدائره عليهم ، يتم أطفالهم ، رمل نسائهم ، وهلم جر )
وهنا فقط يمكننا أستجلاء الخطاب الأعلامى الموجه لنا كمسلمين ،
هذا الخطاب الذى ينكر قيم التسامح ويبث مشاعر الكراهيه مع كل من ليس بمسلم ، متناسين قوله البارى تعالى ( فلو شاء ربك لجعلهم مسلمين *)
حينها تذكرت مجئ جبريل للنيى الكريم بعد أن خرج من الطائف بعد أن أدميت قدماه الشريفتين ،
قائلا" <<أأطبق عليهم الأخشبين >> قال لا لعل أن يأتى من أصلابهم من يقول لا اله الا الله أو ما شابه ذلك ،
ودائما" ما كان أستاذ السيره النبويه فى المرحله التمهيديه يكرر على مسامعنا عبارات كالغرب الكافر .. والساقط
وغيرها من المسميات النشار والتى بعثت فى الكثير منا موجات كراهيه أنعكست بشكل سلبى على مجمل تصرفاتنا معهم ،
ويبرز ذلك جليا" من خلال التكتلات السكانيه للمسلمين وانحصارهم فى أحياء معينه مغلقه ذاتيا" ،
الأمر الذى أثار حفيظه الكثير من السويسريون ،خشيه" من تمدد المسلمين وتزايد أعدادهم مقارنه بالسكان الأصليين ،
ومن حقهم ان يخافوا على وطنهم ، وهذا شعور يشاطرنى الكثير فى مدى ضرورته،
كون الشعور بأدنى خطر يهدد سلامه المجتمع ، يتطلب أجراء وقائى يحد من تنامى فجوه الخطر،
وبمقارنه سريعه لمدى الحريات الدينيه فى العالم العربى ، أجد أن الغرب أكثر مرونه منا،
فالسعوديه لم تتقبل بعد المذاهب السنيه المخالفه للوهابيه ، فهل ستسمح مثلا" ببناء حسينيه شيعيه ، أو بممارسه سكان المنطقه الشرقيه لطقوسهم الدينيه ،
وهنا فقط يبرز بشكل واضح مبدئ ( المعامله بالمثل ) وإلا لما ننتقدهم على قرارهم بحظر بناء المأذن ،
بغض النظر عن كوننا أصحاب الدين الحق وديانتهم مزيفه كما يقول البعض ، فلو كان احدنا مسيحيا" مثلا" لتغيرت وجهه نظره ، ولن يقول دينه هو الحق ،
ومعلوم أن المرء يولد على دين أبويه ( فأما يهودانه وإما ينصرانه )
أكتفى بهذا القدر ، وسأعود لاحقا" لفرز مجمل الردود ، وإن كان الأخوه مشكورين قد أثروا الموضوع بشكل مستفيض ،
تصبحون على خير